فصل: باب من الشرك النذر لغير الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


باب من الشرك النذر لغير الله

وقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يُوفُونَ بِالنَّذْرِ‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ من الآية7‏]‏‏.‏

النذر لغير الله مثل أن يقول‏:‏ لفلان علي نذر، أو لهذا القبر علي نذر، أو لجبريل علي نذر، يريد بذلك التقرب إليهم، وما أشبه ذلك

والفرق بينه وبين المعصية‏:‏ أن النذر لغير الله ليس لله أصلا، ونذر المعصية لله، ولكنه على معصية من معاصيه، مثل أن يقول‏:‏ لله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من معاصي الله؛ فيكون النذر والمنذور معصية، ونظير هذا الحلف بالله على شيء محرم، والحلف بغير الله؛ فالحلف بغير الله مثل‏:‏ والنبي؛ لأفعلن كذا وكذا، ونظيره النذر لغير الله، والحلف بالله على محرم؛ مثل‏:‏ والله؛ لأسرقن، ونظيره نذر المعصية، وحكم النذر لغير الله شركا؛ لأنه عبادة للمنذور له، وإذا كان عبادة؛ فقد صرفها لغير الله فيكون مشركًا‏.‏

وهذا النذر لغير الله لا ينعقد إطلاقًا، ولا تجب فيه كفارة، بل هوشرك تجب التوبة منه؛ كالحلف بغير الله؛ فلا ينعقد، وليس فيه كفارة‏.‏

وأما نذر المعصية؛ فينعقد، لكن لا يجوز الوفاء به، وعليه كفارة يمين؛ كالحلف بالله على المحرم ينعقد، وفيه كفارة‏.‏

وقد ذكر المؤلف في هذا الباب آيتين‏:‏

* * *

* · لأولى‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏يوفون بالنذر‏}‏، هذه الآية سيقت لمدح الأبرار، ‏{‏إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏5‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَونَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية270‏]‏‏.‏

ومدحهم بهذا يقتضي أن يكون عبادة؛ لأن الإنسان لا يمدح ولا يستحق دخول الجنة إلا بفعل شيء يكون عبادة‏.‏

ولو أعقب المؤلف هذه الآية بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليوفوا نذورهم‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 29‏]‏؛ لكان أوضح؛ لأن قوله‏:‏ ‏{‏وليوفوا نذورهم‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 29‏]‏ أمر، والأمر بوفائه يدل على أنه عبادة؛ لأنه العبادة ما أمر به شرعا‏.‏

وجه استدلال المؤلف بالآية على أن النذر لغير الله من الشرك‏:‏ أن الله تعالى أثنى عليهم بذلك، وجعله من الأسباب التي بها يدخلون الجنة، ولا يكون سببا يدخلون به الجنة إلا وهو عبادة؛ فيقتضي أن صرفه لغير الله شرك‏.‏

* · الآية الثانية قوله‏:‏ ‏{‏وما أنفقتم‏}‏‏.‏

‏(‏ما‏)‏‏:‏ شرطية، و‏{‏أنفقتم‏}‏‏:‏ فعل الشرط، وجوابه‏:‏ ‏{‏فإن الله يعلمه‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏من نفقة‏}‏، بيان لـ ‏(‏ما‏)‏ في قوله‏:‏ ‏{‏ما أنفقتم‏}‏، والنفقة‏:‏ بذل المال، وقد يكون في الخير، وقد يكون في غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏أو نذرتم‏}‏، معطوف على قوله‏:‏ ‏{‏وما أنفقتم‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏فإن الله يعلمه‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 270‏]‏، تعليق الشيء بعلم الله دليل على أنه محل جزاء؛ إذ لا نعلم فائدة لهذا الإخبار بالعلم إلا لترتب الجزاء عليه، وترتب الجزاء عليه يدل على أنه من العبادة التي يجازى الإنسان عليها، وهذا وجه استدلال المؤلف بهذه الآية‏.‏

* * *

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصه‏)‏ ‏[‏البخاري‏:‏ كتاب الأيمان و النذور /باب النذر في الطاعة‏.‏‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الصحيح‏)‏، سبق الكلام على مثل هذا التعبير في باب تفسير التوحيد ‏(‏ص146‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من نذر‏)‏، جملة شرطية تفيد العموم، وهل تشمل الصغير‏؟‏

قال بعض العلماء‏:‏ تشمله؛ فينعقد النذر منه‏.‏

وقيل‏:‏ لا تشمله؛ لأن الصغير ليس أهلا للإلزام ولا للالتزام، وبناء على هذا يخرج الصغير من هذا العموم؛ لأنه ليس أهلا للإلزام ولا للالتزام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يطيع الله‏)‏، الطاعة‏:‏ هي موافقة الأمر؛ أي‏:‏ توافق الله فيما يريد منك إن أمرك؛ فالطاعة فعل المأمور به، وإن نهاك؛ فالطاعة ترك المنهي عنه، هذا معنى الطاعة إذا جاءت مفردة‏.‏

أما إذا قيل‏:‏ طاعة ومعصية؛ فالطاعة لفعل الأوامر، والمعصية لفعل النواهي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليطعه‏)‏، الفاء واقعة في جواب الشرط؛ لأن الجملة إنشائية طلبية، واللام لام الأمر‏.‏

وظاهر الحديث‏:‏ يشمل ما إذا كانت الطاعة المنذورة جنسها واجب؛ كالصلاة والحج وغيرهما، أو غير واجب؛ كتعليم العلم وغيره‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ لا يجب الوفاء بالنذر إلا إذا كان جنس الطاعة واجبا، وعموم الحديث يرد عليهم‏.‏

وظاهر الحديث أيضا يشمل من نذر طاعة نذرا مطلقا ليس له سبب، مثل‏:‏ ‏(‏لله علي أن أصوم ثلاثة أيام‏)‏‏.‏

ومن نذر نذرا معلقا، مثل‏:‏ إن نجحت؛ فلله علي أن أصوم ثلاثة أيام‏.‏

ومن فرق بينهما؛ فليس بجيد لأن الحديث عام‏.‏

واعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان بطاعة، وإنما يستخرج به من البخيل ‏[‏تقدم ‏(‏ص229‏)‏‏.‏‏]‏، ولهذا نهى عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيرا ندم، وربما لم يفعل‏.‏

ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنّ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ من الآية53‏]‏؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ من الآية53‏]‏؛ أي‏:‏ عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، أوحلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه‏.‏

ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضا خصوصا النذر المعلق‏:‏ أن النادر كأنه غير واثق بالله ـ عز وجل ـ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابلة ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي سوء ظن بالله ـ عز وجل ـ‏.‏

والقول بالتحريم قول وجيه‏.‏

*فيه مسائل

الأولى‏:‏ وجوب الوفاء بالنذر‏.‏ الثانية‏:‏ إذا ثبت كونه عبادة لله، فصرفه إلى غير الله شرك‏.‏ الثالثة‏:‏ أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف تحرمون ما أثنى الله على من وفى به‏؟‏

فالجواب‏:‏ أننا لا نقول‏:‏ إن الوفاء هوالمحرم حتى يقال‏:‏ إننا هدمنا النص، إنما نقول‏:‏ المحرم أو المكروه كراهة شديدة هو عقد النذر، وفرق بين عقده ووفائه؛ فالعقد ابتدائي، والوفاء في ثاني الحال تنفيذ لما نذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه‏)‏، لا‏:‏ ناهية، والنهي بحسب المعصية، فإن كانت حراما؛ فالوفاء بالنذر حرام، وإن كانت المعصية مكروهة؛ فالوفاء بالنذر مكروه؛ لأن المعصية الوقوع فيما نهي عنه، والمنهي عنه ينقسم عند أهل العلم إلى قسمين‏:‏ منهي عنه نهي تحريم، ومنهي عنه نهي تنزيه‏.‏

* * *

فيه مسائل

*الأولى‏:‏ وجوب الوفاء بالنذر، يعني‏:‏ نذر الطاعة فقط؛ لقوله‏:‏ ‏(‏من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه‏)‏، ولقول المؤلف في المسألة الثالثة‏:‏ إن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به‏.‏

*الثانية‏:‏ إذا ثبت كونه عبادة؛ فصرفه إلى غير الله شرك، وهذه قاعدة في توحيد العبادة، فأي فعل كان عبادة؛ فصرفه لغير الله شرك‏.‏

*الثالثة‏:‏ أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصه‏)‏‏.‏